النسخ في القرآن الكريم

يتناول هذا البحث موضوع “النسخ” في القرآن الكريم من زاوية نقدية تحليلية تبتعد عن التصورات الفقهية التقليدية وتعيد تفكيك المفهوم ضمن السياق القرآني الداخلي. وينطلق الباحث من فرضية مركزية مفادها أن مفهوم “النسخ” كما ورد في التنزيل لا يعني المحو أو الإلغاء، بل يدل على “الإثبات” و”النقل” من كتاب إلى آخر، كما تشهد بذلك المواضع الثلاثة التي ورد فيها هذا الجذر في النص القرآني: (الجاثية 29، الأعراف 154، والحج 52).
ينقض الباحث الآراء الشائعة التي تذهب إلى أن القرآن يحوي آيات منسوخة بمعنى الملغاة تشريعيًا، ويبيّن أن ذلك التصور مبني على روايات ضعيفة، كسردية “الغرانيق”، وعلى سوء تأويل للمصطلحات، وإهمال للسياق القرآني الكلي. كما يفنّد الاستدلال بآيتي البقرة (106) والنحل (101) على وجود النسخ التشريعي، موضحًا أن المقصود بالآيات فيهما هو الآيات الكونية أو المعجزات وليس الأحكام التشريعية.
ينتقل البحث إلى تفكيك استعمال كلمة (آية) في القرآن ويبرز أن لها ثلاثة دلالات مختلفة: (المعجزة، العلامة، والدلالة الكونية)، وأن عدم التمييز بينها أدى إلى اضطراب المفاهيم وتوسيع دائرة القول بالنسخ بلا حُجّة.
كما يستعرض الباحث أشهر المواضع التي ادُّعي فيها وقوع النسخ، مثل: متعة الأرملة، والوصية لأولي القربى، وعقوبة الشذوذ الجنسي، ليبين من خلالها أن هذه الادعاءات تستند إلى إهمال دقيق للسياق، وتداخل في المصطلحات، وعدم التفريق بين ما هو “حكم تأسيسي” وما هو “وصية اجتماعية”.
يخلص البحث إلى أن دعوى وجود آيات منسوخة في القرآن تشكّل طعنًا ضمنيًا في كمال الكتاب وتمام بيانه، وتفتح الباب أمام التلاعب بالنص، وأن هذا التصور يُخالف التصور القرآني ذاته الذي يؤكد أن هذا الكتاب آية عقلية محفوظة ربانيًّا، متجاوز للزمان والمكان، وأنه لا يمكن أن يتناقض في أحكامه، إذ لو كان من عند غير الله “لوجدوا فيه اختلافًا كثيرًا” (النساء: 82).